بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الوهوب المفضل ، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره ونصلي ونسلم على مبعوث الهداية سيدنا وحبيبنا ونبينا وعظيمنا محمد ، اللهم صل وسلم عيه وعلى آله وصحابته أجمعين ، ألتقي بكم في هذا اللقــاء وفق سلسلة تفنيد شبهات الحشــوية المجسمة ومن في حكمهم في التسترعلى حقيقة مقتل الخليفة عثمان بن عفان على يد أكابر الصحابة .
وهنا أناقش وأنفند تمسك الحشوية بكلام ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ( صـ 599-600) طبعة دار الأعلام ، عند ترجمته للصحابي ( فروة بن عمرو البياضي ) قول ابن عبد البــر ما نصه : " وكان ابن وضاح وابن مزين يقولان : إنما سكت مالك عن اسمه لأنه كان ممن أعان على قتل عثمان رضي الله عنه ، قال أبو عمر : هذا لا يعرف ، ولا وجه لما قالاه في ذلك ، ولم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار ." أ.هــ هنا انتهى كلام ابن عبدالبر وأخرج كلامه هذا الصفدي في الوافي بالوفيات ج24 ص6 دار إجياء التراث العربي ، وأخرجه كذلك محقق فضائل القرآن للنسائي ص140 دار إحياء العلوم .
وقبل أن أناقش هذا الكلام ينبغي أن أنبــه على أمرٍ مهم جداً وهوالحق أن أقوال
الرجال يُحتـــج لهــا ولا يحتـــج بها ، وهنا أتذكر مقالة الإمام أبي حنيفة ( إذا
جاء الدليل عن الله فعلى الرأس والعين وإذا جاء عن رسول الله فعلى الرأس والعين ،
وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال ) راجع كتاب المدخل لدراسة الشريعة عبد الكريم زيدان صــ 148.
وفي ذلك يقول
الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى
في جوهره:-
فالعلماء
إستخرجوا ما استخرجوا*** من الدليل وعليه عرجوا
فهم رجــال وســواهم رجل ***
والحق ممن جاء حتما يقبـل
فمـورد
الكــل هـــو الـدليـل *** يقصـده
من لهم التحصيـــل
من هاهنا نقـــول ، أن كلام ابن عبد البر لا يقوم على دليل بيّن سيما وأن كلامه يتمحور وفق إطارين ، ( إطار يتكلم عن سكوت الإمام مالك عن الرواية لفروة ) ، ( وإطار يتكلم عن القائل بشأن فتنة يوم الدار ) ، فيا ترى أين نكران ابن عبدالبر وجحده لمشاركة فروة ومعونته لمقتل عثمان ؟ فالإطار الأول الكلام فيه عن تخريج ورواية مالك له فلا علاقة لذلك بنفي الصحبة والمشاركة بمقتل عثمان ، والإطار الثاني يتكلم عن عدم معلومية القائل بشأن الفتنة ولم ينصص على فروة مطلقا ، ولو فرضنــا وسلمنا جدلاً أن ابن عبد البر يقول أن فروة لم يشارك بمقتل عثمان ، فأين الدليل؟ وأين الوجه الذي يعتمد عليه ؟
لا يوجد طبعاً ، فالحاصل أن كلام ابن عبد البر لا يخدم الحشوية كافة في مطلبهم فافهم ذاك ، كذلك لو لاحظنــا أن ابن عبد البر تكلم عن كلام رجلين وهما ( ابن وضاح وابن مزين ) وهاذين الرجلين هما قررا سكوت الإمام مالك عن فروة ، فمن يكونا يا ترى ؟
ابن وضاح هو ابن وضاح (199 - 286 هـ = 815 - 899 م) محمد بن وضاح بن بزيع، أبو عبد الله، مولى عبد الرحمن بن معاوية ابن هشام: محدث، من أهل قرطبة ، وترجم له الذهبي في سيره (ج14- 445 طبعة مؤسسة الرسالة ) ، قال عنه ابن الفرضي في تاريخه 2/16 - الدار المصرية للتأليف والترجمة ما نصه : "وبمحمد بن وضاح وبقي بن مخلد صارت الأندلس دار حديث وكان محمد بن وضاح عالما بالحديث بصيراً بطرقه متكلماً على علله ..." أ.هــ
قال عنه مؤلف كتاب محمد بن وضاح مؤسس مدرسة الحديث بالأندلس صــ92- مكتبة المعارف : " ابن وضاح والتزامه مذهب مالك ، يعد ابن وضاح من أعلام المالكية بالأندلس فقد سلكه القاضي عياض تبعا لتلميذ ابن وضاح ...انتهى إليهم فقه مالك والتزموا مذهبه ممن لم يره ولم يسمع منه ...وهكذا ظل ابن وضاح ملتزما لمذهب مالك منافحا عنه مدافعا لا يحيد عنه في شيء ) ،وقال المصنف في نفس المصدر صــ4 : " أدرجه القاضي عياض في الدرجة الثالثة الذين انتهى إليهم علم مالك " ،وقال المصنف في نفس المصدر صــ 138 : " وكان ابن وضاح صارما متشددا في منهجه غير متساهل حتى فيما يتساهل فيه عادة بين أئمة النقد وعلماء الجرح والتعديل فكيرا ما رد أحاديث كما يقول ابن الفرضي " أ.هــ
وفي عرضي لترجمة ابن وضح ما ينسف كلام ابن عبدالبر مع فرض التسليم بتعلق الحشوية به ( ولم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار) فالرجل عالم بالحديث وفنونه وليس جاهلا ولا يأخذ إلا عن الثقات كما هو مقرر في مصادر الحشوية ، بل وأعلم بمسائل مالك كما في كتابه ( البدع والنهي عنها ص113) قوله : " وكان مالك يكره كل بدعة وإن كانت في خير") .
والرجل الآخر هو ( ابن مزين ) يحيى بن إبراهيم بن مزين، ابو زكريا ن عالم بلغة الحديث ورجاله. من أهل قرطبة...من كتبه تفسيرالموطأ...وتسمية الرجال المذكورين بالموطأ ...والمستفيضة في علل الموطأ ( الاعلام للزركلي) .
وقال عنه ابن لبابة : أفقه من رأيت في علم مالك وأصحابه يحيى بن مزين " ( ترتيب المدارك ج4ص238).
الآن عرفنا عن ابن وضاح أنه مؤسس مدرسة الحديث بالأندلس وعرفنا عن ابن مزين أنه أفقه الناس في علم مالك ، والرجلين ينقلان رأي مالك في فروة ، والقاعدة تقول : المثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم ، تقل لي قال ابن عبد البر ؟! سبحان الله العظيم إن هذا هذيان غريب .
وليس نقاشنا في الثوار على عثمان فقد قدمت سابقا بنخبة موثقة منهم وممصدرة من كتبهم وإنما أردت دفع شبهة يتقبض بها أوباش الحشوية ولله المنة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق